في عالم إدارة المشاريع، لا تتشابه جميع المشاريع. فبعضها بسيط ومنظم، بينما البعض الآخر يتسم بدرجة عالية من التعقيد (Complexity)، نتيجة تداخل العوامل التقنية، والبشرية، والتنظيمية. هذه الفئة من المشاريع تُعرف باسم المشاريع المعقّدة (Complex Projects)، وتتطلب مهارات وأساليب خاصة تختلف كثيرًا عن المشاريع التقليدية.
ما الذي يجعل المشروع معقّداً؟
هناك عدة عوامل يمكن أن تجعل المشروع معقّدًا، من بينها:
- تعدد أصحاب المصلحة (Stakeholders) واختلاف توقعاتهم.
- الغموض (Ambiguity) وعدم وضوح المتطلبات أو الأهداف.
- التغيّرات المتكررة (Frequent Changes) في نطاق العمل أو البيئة المحيطة.
- ترابط الأنظمة (System Interdependencies) وصعوبة التنبؤ بنتائج أي تغيير.
- الضغوط السياسية والتنظيمية (Organizational Politics) داخل المؤسسة.
هذه العوامل تخلق بيئة ديناميكية وغير مستقرة، تجعل من الصعب تطبيق منهجيات الإدارة التقليدية فقط مثل Waterfall Model أو Critical Path Method (CPM).
مهارات مدير المشروع في البيئات المعقدة:
مدير المشروع في المشاريع المعقدة لا يقتصر دوره على التخطيط والتنفيذ، بل يجب أن يكون:
- قائد تغيير (Change Leader) يمتلك رؤية استراتيجية.
- مفكّر نظامي (Systems Thinker) يرى الصورة الكبرى ويفهم الترابطات.
- مدير مخاطر متقدّم (Advanced Risk Manager) يتعامل مع “المجهول غير المعروف” (Unknown Unknowns).
- قوي في التواصل (Strong Communicator) ويجيد إدارة التوقعات بين الفرق وأصحاب المصلحة.
منهجيات وأطر لإدارة التعقيد:
إدارة المشاريع المعقدة تتطلب أدوات مرنة وتكيفية، مثل:
- Agile Project Management – الإدارة الرشيقة
- Adaptive Project Framework)APF) – الإطار التكيفي
- Complexity Assessment Models – نماذج تقييم التعقيد
- Scenario Planning – تخطيط السيناريوهات
- Sensemaking – تحليل المعنى في بيئات غامضة
كل هذه الأطر تساعد على التعامل مع الغموض والتغيّرات المستمرة بطريقة مرنة وتفاعلية.
أمثلة على مشاريع معقّدة Complex Projects
من المشاريع التي تُصنف كمشاريع معقّدة:
- مشاريع البنية التحتية الضخمة (Mega Infrastructure Projects)
- التحوّلات الرقمية واسعة النطاق (Enterprise Digital Transformation)
- تطوير أنظمة ERP في منظمات متعددة الفروع
- مبادرات التغيير التنظيمي في بيئات سياسية متوترة
هل نحن مستعدون للتعامل مع التعقيد؟
المشاريع المعقّدة لا يمكن تبسيطها أو إدارتها بأسلوب نمطي. إنها تتطلب فهمًا عميقًا للسياق، ومرونة في اتخاذ القرار، وتعاونًا واسع النطاق بين الفرق.
كما جاء في كتاب Managing Complex Projects: “Complexity management begins with managing the unknown.”
أي أن البداية الحقيقية لإدارة التعقيد، هي الاستعداد لما لا يمكن التنبؤ به.
لكن السؤال الأهم هنا: هل المؤسسات مستعدة فعلاً؟
الاستعداد للتعامل مع التعقيد لا يعني فقط امتلاك أدوات أو برامج متقدمة، بل يعني تطوير ثقافة تنظيمية قائمة على:
- الاستباقية (Proactive Mindset) بدلاً من ردود الأفعال المتأخرة.
- المرونة التنظيمية (Organizational Agility) وقدرة الفرق على التكيّف بسرعة مع المتغيرات.
- الشفافية والتواصل المفتوح (Transparency & Open Communication) بين أصحاب المصلحة.
- تمكين الفرق (Empowered Teams) وتفويض اتخاذ القرار على مختلف المستويات.
- الاستثمار في تنمية المهارات القيادية (Leadership Development) في البيئات المعقدة.
إن بناء الجاهزية لمواجهة التعقيد يبدأ من أعلى الهرم الإداري، ويمتد إلى كل فرد في فريق المشروع. فالمؤسسات الناجحة في هذا النوع من المشاريع هي تلك التي تعترف بعدم يقينية المستقبل، وتعمل باستمرار على تحسين قدراتها التكيفية.
النجاح في المشاريع المعقّدة ليس صدفة، بل نتيجة استعداد واعٍ، وتخطيط مرن، وثقافة تقبل التعلّم والتغيير.
المصدر:
هاس، كاثلين بي. (2009). إدارة المشاريع المعقّدة: نموذج جديد. فيينا، فرجينيا: منشورات مانيجمِنت كونسبتس.
Hass, Kathleen B. (2009). Managing Complex Projects: A New Model. Vienna, VA: Management Concepts.